الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الحساب ولد

 

جاء في تقرير لوكالة فرانس برس (ا ف ب) بتاريخ 21 سبتمبر 2013م نقلا عن وزير المالية مخاطبا الصحافيين أن “اجراءات الاصلاح الاقتصادي ستصدر خلال الايام القادمة لان الأمر غير ممكن فالحكومة تدفع سنويا 27,5 مليار جنيه دعما للمحروقات والقمح (أي ما يعادل 7,8 مليارات دولار امريكي)”.

كما جاء في ذات التقرير أن سعر صرف الجنيه السوداني امام الدولار في السوق السوداء السبت وصل إلى 7,8 جنيهات للدولار الواحد.

ويبلغ تعداد سكان السودان بعد انفصال الجنوب، وفقا للتعداد السكاني في عام 2008م 33,419,625 نسمة، بحسب صندوق الأمم المتحدة للتنمية.

فما هي تبعات تصريح وزير المالية بأن حكومته دعم السلع المذكورة بما يعادل 7,8 مليارات من الدولارات الأمريكية، وفقا للأرقام المذكورة أعلاه؟
إذا كان الدعم الحكومي للسلع سنويا 7,8 مليارات دولار أمريكي، على حد قول وزير المالية، فهذا يعني أن مقدار الدعم السنوي للسوداني الواحد (بما في ذلك كل طفل رضيع) يساوي مبلغ 233.4 دولار أمريكي، أو مبلغ 1,820 جنيها سودانيا (بالجديد)، وفقا لأسعار السبت الماضي. وبحساب الأسر، باعتبار أن كل أسرة تضم في المتوسط 5 أشخاص، وهو رقم متواضع للأسرة السودانية، يكون الدعم السنوي للأسرة الواحدة مبلغ 9,100 جنيه سوداني في السنة .. هذا يعني أن الدعم الشهري لكل أسرة يبلغ 758 جنيها سودانيا في الشهر الواحد .. أو بصورة أخرى أن الحكومة تدعم كل عائل أسرة (بدون استثناء أي مزارع أو راع أو موظف أو عاطل عن العمل!! وفي جميع أنحاء البلاد) بمبلغ يقارب الألف جنيه (مليون بالقديم) شهريا .. فإذا علمنا أن راتب نائب الطبيب الأخصائي يبلغ حوالي 800 جنيه، وأن الرواتب الأخرى معظمها أقل من ذلك المبلغ، فإن رفع الدعم يعني خلق عجز في ميزانية كل أسرة بمقدار 758 جنيها يتحملها كل عائل أسرة، بغض النظر عن راتبه .. و هذا يعني ببساطة أن بعض عائلي الأسر سيفلسون تماما في وقت وجيز (هذا الكلام مقتصر على غير المفلسين أصلا)، مع الاستمرار في الاستدانة إلى ما شاء الله (علما بأن المفلس غير قابل للاستفادة من القروض)، و هي استدانة خالية من أي احتمالات للسداد!!

بناء عليه فإن من الأفضل عدم رفع الدعم وإفلاس معظم عائلي الأسر السودانية، و بدلا من ذلك الاكتفاء بفرض ضريبة وطنية على كل من يزيد دخله الشهري عن 10,000 جنيها (10 مليون بالقديم) بحيث تكون الضريبة عبارة عن نسبة من الدخل حتى تتصاعد النسبة بارتفاع الدخل الشهري، خاصة عند أصحاب شركات الحزب الحاكم و أثريائه الآخرين … بما يكفي لسداد عجز الميزانية قياسا على نفرة تبوك التي ذكرنا بها الكاتب المجيد الطاهر ساتي في عمود بعنوان “ميزانية العسرة” و التي نعى فيها على الحكومة أن تلقي بتبعة سداد العجز المالي على عامة الشعب و أكثر من نصفهم فقراء، بدلا من استنفار الأثرياء و خاصة أثرياء الحكومة وأصحاب الأموال والعقارات بالداخل والخارج ليدفعوا ما يكفي لسداد عجز الموازنة تماما كما فعل صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لتمويل جيش العسرة في تبوك .. ألم يوصف هؤلاء الحاكمين بأنهم “صحابة”؟ فهيا يا “صحابة”!!

وكان الشاعر أحمد بن الحسين (المتنبي) قد بذل روحه في سبيل تصديق مقولته الشعرية: الخيل والليل والبيداء تعرفني، عندما قيل له بين يدي مهاجميه المسلحين: فها هو ذا الليل و الخيل و البيداء .. فثبت وقاتل حتى قتل، حتى لا يموت كاذبا .. فعلى أثرياء الحزب الحاكم أن يبذلوا، ليس الروح، ولكن بعضا من ملايينهم و ملياراتهم في سبيل رتق ما انفتق من الميزانية العامة .. وليس الشعب الذي صار معظمه من أهل الصفة أيها “الصحابة”!!

 

بقلم (أحمد كمال الدين) نقلا عن صحيفة حريات

 

03

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق